صوري

أهلا بك عزيزي

آمل أن تكون مشاركا لي في طروحاتي و متفاعلا معها ، فلا تغادر قبل أن تترك أثرا

الأحد، سبتمبر 19، 2021

شرح وتحليل أَلا یا ظِباءَ الرَّملِ أَحسن صُحبَتي للشاعر عبيد بن أيوب العنبري

شرح وتحليل 

أَلا یا ظِباءَ الرَّملِ أَحسن صُحبَتي

للشاعر عبيد بن أيوب العنبري

عصام الأشقر/ الأردن

مقدمة:

نشرت مجلة المورد في الصفحات 121 -136 دراسة عن الشاعر عبيد بن أيوب العنبري، وجاء ملحقا بالدراسة ديوان الشاعر الذي لم أجد منه نسخة مطبوعة سواها، وقد جاءت الدراسة بعنوان ( عبيد بن أيوب العنبري، حياته وما بقي من شعره)[1].

سيرته:

هو شاعر أموي، ويعد من الشعراء الصعاليك، وقد استشهدت معاجم اللغة بشعره -على الرغم من ندرته- كـ (لسان العرب) و(مقاييس اللغة)، والكثير من الكتب في تقديمها للشواهد الشعرية، وعلى الرغم من ذلك فهو من الشعراء غير المعروفين، لقلة ما وصلنا من شعره، وقد اشتهر شعره بوصف الطبيعة الوحشية، وتعبيره عن الخوف والهرب، ومعاشرته للغول والسعلاة وغيرها من الوحوش الخيالية.

قال عنه كتاب (الدر الفريد) : "هو أحد لصوص العرب"[2]، وبهذه الصفة وصفته العديد من الكتب القديمة، إلا أن محقق أشعاره يقول: إن الصورة التي يقدمها شعره صورة لم أجد في طواياها ملامح الشر، ولم أتلمس في بواطنها ما يظهر بهذه الخصلة.. وأنه لم يجد مبررا حقيقيا لإلصاق اللصوصية به حيثما ذكر، ويتسأءل عمن منح هؤلاء الكتاب الحق في إلصاق التهمة والإصرار على إلحاقها باسمه بشكل شامل[3]

أما كتاب (الشعر والشعراء) فيذكره بقوله: "هو من بنى العنبر. وكان جنى جناية، فطلبه السلطان وأباح دمه، فهرب فى مجاهل الأرض، وأبعد لشدّة الخوف، وكان يخبر في شعره أنّه يرافق الغول والسّعلاة، ويُبَايتُ الذئاب والأفاعي، ويأكل مع الظباء"[4]، ومما جاء في ذكرة في كتاب سمط اللآلي لأبي عبيد البكري قوله: (والمحفوظ في كنيته أبو المطراب بالباء[5]،

قال الشاعر عبيد بن أيوب قصيدته التي نراه يعبر فيها عن شجاعته، ويطلب صحبة الكثير من الحيوانات الوحشية، محاولا أحيانا أن يكون رفيقها، وفي أحايين أخر نجده يقسو عليها كما قست عليه الحياة وجعلته يعايش مصاعب الحياة ومرارتها، فيقول مخاطبا الظباء اللواتي كن يرين فيه أنه قليل الأذى: (الطويل)

أَلا یا ظِباءَ الرَّملِ أَحسن صُحبَتي  وَأخفینَني إِن كانَ یَخفى مَكانِیا

وَبِتُّ ضَجیعَ الأُسودِ الجَونِ بِالغَضا كَثیراً وَأَثناءُ الحَشاشِ وسادِیا

فَقَد لاقَت الغِزلانُ مِنّي بلیة         وَقَد لاقَت الغیلانُ مِنّي الدَّواهِیا

وَمِنهُنَّ قَد لاقَیتُ ذاكَ فَلَم أَكُن       جَباناً إِذا هَولُ الجَبانِ اِعتَرانِیا

أَذقتُ المَنایا بَعضَهُنَّ بِأَسهُمي        وَقَدَّدنَ لحمي وَاِمتَشَقنَ ردائِیا

سبب اختيار النص:

قمت باختيار النص لما لمسته في هذه الأبيات من أُنس ووحشة، وعزة وفخر بالذات، فقد لفت نظري مخاطبته للظباء، وهو الهارب المطلوب والمهدور دمه وكيف يحاول أن يتشبث بالحياة حتى الرمق الأخير، حتى أن الأمر يصل به إلى أن يذيق الغزلان والغيلان والمنايا بعضاً من أسهمه التي امتشقها للقتال في وجه كل ما يعترضه.

مناسبة النص:

مما يبدو لي من خلالي قراءتي للقصيدة أن الشاعر قال قصيدته للتعبير عما يعانيه من وحشة وتفرد، وكأني به يحاول أن يشدّ من أزر ذاته ويقويها

الأبيات ومعاني مفرداتها مع الشرح:

أَلا یا ظِباءَ الرَّملِ أَحسن صُحبَتي  وَأخفینَني إِن كانَ یَخفى مَكانِیا

المعاني: ظباء: مفردها ظبي، وهو نوع من الغزلان. الرمل: يقصد به الصحراء. صحبتي: صداقتي. أخفينني: خبئنني

الشرح: يخاطب الشاعر قطيع الظباء، ويطلب إليه أن يكون صاحبه وصديقه، وبما أنه يعيش حالة من الخوف والهرب، فإنه يطلب من هذه الظباء أن تخبئه لتخفي مكانه عمن يطلبونه.

اعتمد الشاعر هنا على أسلوب النداء، ليشعر بالألفة، وليبعد عنه الوحشةَ من خلال الإحساس بأن هناك من يخاطبه ويدعوه، وإن له أصحابا يساعدونه ويطمسون آثاره عن أعدائه. فقد جاء استخدامه للصحبة دليلا على ما يشعر به من وحشه يرغب في طمسها، أما استخدامه للفظتي اخفى ويخفي فكانت للدلالة على مدى خوفه، على الرغم يحاول مما يظهره من شجاعة.

وَبِتُّ ضَجیعَ الأُسودِ الجَونِ بِالغَضا كَثیراً وَأَثناءُ الحَشاشِ وسادِیا

المعاني: بت: من الفعل بات بمعنى أمضى الليل أو نام الليل.  ضجيع: رفيق الفراش  الجون:  اللون الأسود تخالطه حمرة وقيل اللون الأبيض. الغضا: نبات صحراوي شديد الاشتعال. أثناء: طيات ومفردها ثنية. الحشاش: الأعشاب. وساديا: مخدة النوم.

الشرح: يقول أنه بات ليلة مقتسما فراشه مع الأسود البيض بين شجيرات الغضا، وقد اتخذ من الحشائش وسادته.

يحمل هذا البيت الكثير من المعاناة والوحشة، حتى لقد أصبح الشاعر رفيق الوحوش والسباع، ينام وإياها سويا دون خوف من سطوتها، ونلحظ أيضا استخفافه بالأسود، وهو الذي تهابه الغيلان التي هي أدهى وأكثر رعبا من الأسود. 

فَقَد لاقَت الغِزلانُ مِنّي بلیة         وَقَد لاقَت الغیلانُ مِنّي الدَّواهِیا

المعاني: لاقت: وجدت. الغزلان: مفردها غزال وهو من المخلوقات الرقيقة غير المؤذية. بلية : مصيبة وشرَ، الغيلان: مفردها غول ، وهو كائن أسطوري، خيالي يتغذى على أكل البشر كما تقول الأساطير، الدواهيا: المصائب والبلايا

الشرح: يعمل الشاعر هنا على إكمال صورة الشجاعة التي رسمها لنفسه من خلال معايشته للأسود، ونومه معها، ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل نجده يفرض سطوته على كل ما حوله من غزلان وغيلان وغيرها، حيث يُنزلُ عليها شدته وقوته وجبروته من خلال ما يُوقع بها من مصائب وبلايا ودواهٍ.

ويلاحظ هنا أنه شمل في جبروته الضعيف والقوي، فهو يتشبث بالحياة أمام كل ما يمكن أن يسلبها ومقدراتها منه، حتى لو كانت الغزلان الضعيفة الرقيقة، ونلاحظ أنه استخدم حرف (قد) الذي يفيد التحقيق من خلال اتباعه بالفعل الماضي ليؤكد وقوع هذه الأفعال الرهيبة منه تجاه كل ما يقترب منه.

وَمِنهُنَّ قَد لاقَیتُ ذاكَ فَلَم أَكُن       جَباناً إِذا هَولُ الجَبانِ اِعتَرانِیا

المعاني: لاقيتُ: واجهتُ وذقتُ. ذاك: إشارة إلى العذاب والمصائب والبلايا  التي أوقعها على الغزلان والغيلان. جبانا: خائفا رعديدا، هول: الرعب والفزع والخوف الشديد. اعترانيا: أصابني وحل بي وتملكني.

الشرح: يقول أنه مثلما بطش وأصاب، فقد أصابه منهن مثل ذلك الذي ارتكبه من بطش وجبروت وبلايا ومصائب، ولكنه وعلى الرغم من شدة الموقف عليه إلا أنه لم يكن جبانا خائفا، حتى وإن أصابه الرعب والخوف والفزع الذي يصيب الجبان، ولكن هذا الأثر لا يظهر عليه.

فهو يحاول في هذا البيت أن يتحلى بالشجاعة ويظهر الجَلَد والقوّةَ، وإن لم يكن يمتلكها، ويمكن أن نلمح ذلك من خلال تقديمه لشبه الجملة (منهن) على الفعل (لاقيت) مما يظهر قوة تأثّره بهن، فقدمهن على الفعل.  

أَذقتُ المَنایا بَعضَهُنَّ بِأَسهُمي        وَقَدَّدنَ لحمي وَاِمتَشَقنَ ردائِیا

المعاني: أذقت: جعلتها تذوق وتتجرع. المنايا: مفردها منية وهي الموت. أسهمي: سلاحي ومفردها سهم وهو النبل الذي يُرمى عن القوس. قددن: من الفعل قدد، ويعني التقطيع الطولي للحم. امتشقن: حملن وهي مأخوذة من امتشق السيف أو السلاح بمعنى حمله وتقلده. ردائيا: ما ألبسه من ملابس تغطي الجسم.

الشرح: يختم الشاعر الأبيات بإظهار أقصى درجات الشجاعة والقوة، فهو يحارب الموت ويقضي عليه بأسهمه التي يرميها عليه، على الرغم مما أذاقه الموت من قتل، فقد قطع لحمه ولبس رداءه، ولكنها الروح المقاومة التي ترفض الاستسلام، وتقاوم الموت بكل ما أوتيت من قوة وبأس.

الخاتمة:

من خلال دراستنا لهذه المقطوعة تبين أن الشاعر يتملك الكثير من القوة والشجاعة والبأس على الرغم مما اتصف به شعره من الخوف والهرب بشكل عام، فقد استطاع أن يزرع في أذهاننا صورة غير تلك التي نعرفها من خلال مجموع شعره وما تناقله الدارسون عنه. وعلى هذا يمكن اعتبار هذه القصيدة نقطة تحول وتغيير مسار في مجال قراءة أشعار عبيد بن أيوب العنبري.

 

 

 

 



[1] نوري حمود القيسي، شعر عبيد بن أيوب العنبري، مجلة المورد صيف 1976، المجلد الثالث، العدد 2، ص 121

[2] محمد بن أيدمر المستعصمي، الدر الفريد وبيت القصيد، ط1 مدار الكتب العلمية، بيروت، لبنان2015م، ج5 ص107

[3] ينظر: نوري حمود القيسي، سابق 121

[4] ابن قتيبة الدينوري (ت276هـ)، الشعر والشعراء، دار الحديث، القاهرة، 1423هـ ، ج2 ص771

[5]  أبو عبيد البكري (ت487 هـ)، سمط اللآلي في شرح أمالي القالي، نسخه وصححه وحقق ما فيه وخرجه وأضاف إليه عبد العزيز الميمني، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان ج1 ص384